الجمعة، 13 مارس 2020

(10) خطايا أساسية فى الصحافة المصرية


بقلم: عماد توماس
  
      المتابع الجيد للصحافة المصرية يدرك أن الكثير من الصحف تفتقد لأدنى معايير ميثاق الشرف الصحفي أو مدونة أخلاقيات الصحافة، وتفتقر بعض الصحف المصرية لأدنى معايير المهنية في المواد الصحفية المنشورة، سواء في عدم دقتها أو خلط الخبر بالرأي أو نشر تحقيق صحفي ينقل وجهة نظر أحادية أو لا ينقل وجهتي النظر بموضوعية أو نشر تقارير صحفية موجه نحو هدف معين، أو عدم مراعاة الخصوصية الشخصية أو عدم تحرى الحقيقة في النشر التي هى الغرض المحوري للصحافة في الالتزام بالحقيقة وتقديم المعلومات الدقيقة التي يعتمد عليها ويحتاجها المواطنون لأداء دورهم في مجتمع حر.



    ونحاول هنا رصد لأهم عشرة أخطاء أو بالأحرى خطايا الصحافة المصرية، فالخطيئة هي تكرار نفس الخطأ الذي نقع فيه عدة مرات دون الشعور بالندم أو الرغبة بالتعلم من تلك الأخطاء، وبالطبع لا نهدف من هذا الرصد تعقب أخطاء الصحافة المهنية لكن تحسينها في سبيل أداء مهني لرسالتها النبيلة.


الخطيئة الأولى: الدقة المفقودة
     لا تعني الدقة فقط مجرد تحديد المكان والزمان والأشخاص والظروف المحيطة بالحدث أو هجاء اسم الشخص دون أخطاء، بل تعني أن أضع كلماتهم وآرائهم في سياقها السليم بلا تجميل أو زخرفة. وأن لا يتأثر ما أكتبه بمشاعري الشخصية تجاه الموضوع أو تجاه الشخص، وتعني أيضًا توخي الحرص في نشر مواد مشوهة أو غير دقيقة أو مضللة بما فيها الصور، وفي حال إثبات وجود عدم دقة أو تضليل أو تحريف واضح في بيانات أو تقارير منشورة فإنه يتعين تصحيحه على الفور وبالوضوح الواجب، ونشر اعتذار متى كان ذلك مناسبًا. بالإضافة إلى انه يجب على الصحف أو المجلات الدورية أن تنشر بدقة في تقاريرها النتائج المترتبة على عمل تشويه السمعة كانت هي طرفًا فيه. كما يجب التأكد من مصداقية المصدر الصحفي قبل النشر، ومراعاة أن تكون البيانات الخاصة بالحدث واضحة ومحددة لا لبس فيها.


الخطيئة الثانية: انتهاك الخصوصية
تنص المادة (99) من الدستور المصرى أن "كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور والقانون، جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم..."، فالأولى بالصحافة أن تحترم الحياة الخاصة لكل مواطن وحياة أسرته الخاصة وبيته وصحته ومراسلاته. وعدم استخدام كاميرات التصوير لالتقاط صور للأشخاص في الأماكن الخاصة دون موافقتهم، فهذا عمل غير مقبول وانتهاك صريح لخصوصيته.

.أحد المحررين الصحفيين قام بنشر خبرًا صحفيًا ولتدعيم الخبر بصورة شخصية، قام بالدخول على موقع الفيس بوك وأخذ صورة من صور الشخصية صاحبة الخبر، وبعد نشر الخبر اعتبرت هذه الشخصية هذا الأمر انتهاكًا لخصوصيتها لأن المحرر لم يستأذن قبل الحصول على صورة لها. كما أن على الصحفيين تعريف أنفسهم والحصول على تصريح من المسئول التنفيذي قبل الدخول إلى الأماكن الخاصة كالمستشفيات أو غيرها من المؤسسات لمتابعة التحقيقات عن الأفراد في المستشفيات أو ما شابه من المؤسسات


. الخطيئة الثالثة: الإزعاج والمضايقة
      لا يجب على محرري الصحف مطاردة مصادرهم الصحفية وإزعاجهم سواء بالمكالمات الهاتفية في وقت متأخر أو غير مناسب، أو الإصرار على تصويرهم دون رغبتهم أو السعي نحو الحصول على المعلومات عن طريق الترهيب (التخويف) أو المضايقة والملاحقة بإلحاح. ويتعين عليهم عدم تصوير الأفراد في الأماكن الخاصة –كما ذكرنا سابقًا- دون موافقتهم. ولا يجب بقاؤهم في ممتلكات الغير بعد أن طلب منهم الرحيل. ولا يجب (التطفل) في أحزان وصدمات الآخرين، في حالة الوفاة، والإصرار على التصوير وإزعاج الآخرين في سبيل الحصول على السبق الصحفي، بل يجب مراعاة التعاطف والعقلانية عند الاقتراب من الأشخاص وتوجيه الأسئلة لهم. كما يجب مراعاة الحساسية عند النشر في مثل تلك المواقف.

ظاهرة مؤسفة انتشرت فى مصر مؤخرا، وهى تكالب بعض الإعلاميين والصحفيين على سرادقات العزاء للشخصيات العامة، ومحاولة التصوير والحصول على تصريحات صحفية من المعزين أو أهل الفقيد دون رغبتهم.


 الخطيئة الرابعة: عدم الإنصاف
      ربما يكون الإنصاف هو القيمة الأكثر أهمية التي يجب أن يتحلى بها الصحفي كإنسان. فيجب أن يتساءل ما إذا كان عادلاً مع الناس الذين يكتب عنهم.. هل صور أفكارهم ونقل كلماتهم بإنصاف أم خانهم وغشهم وقال عليهم ما لم يقولوه بطريقة أو بأخرى؟ هل أظهر جميع جوانب القضية التي يعرضها؟ هل يشعر الصحفي براحة الضمير بعد نشر تغطيته لندوة أو مؤتمر أو كتابة تقرير ما عندما يقرأه من لهم صلة به؟
أفضل استحسان يتلقاه الصحفي هو أن يدعوه الناس منصفًا وموضوعيًا يكتب بطريقة تخلو تمامًا من المجاملات.


 الخطيئة الخامسة: التشهير
     تخطئ بعض الصحف بنشر أسماء أو صور أو معلومات عن ضحايا الاعتداء الجنسي، بل يجب بقدر الإمكان مراعاة حالاتهم النفسية والإشارة فقط إليهم بدون تحديد هويتهم أو تقديم معلومات محددة عنهم، فعلى الصحافة ألا تكشف عن هوية الأطفال دون سن 18 عامًا من الضحايا أو الشهود في قضايا الاعتداءات الجنسية، حتى وإن كان ذلك حقها القانوني وحتى حوادث القتل والسرقة التي تنشر في صفحات الحوادث، لا يجب نشر صورة واضحة المعالم للمتهمين فالقاعدة القانونية تقول "المتهم برئ حتى تثبت إدانته" كما لا ينبغي أن يتم تحديد هوية أقارب أو أصدقاء الأشخاص المدانين أو المتهمين بارتكاب جرائم عمومًا دون موافقتهم، ما لم يكن لهم صلة حقيقية بالقضية. كما أن هناك واجب أخلاقي على الصحفيين وهو حماية سرية مصادر المعلومات. وعدم الإدلاء بها إلا عند الضرورة القصوى للمصلحة العامة.


الخطيئة السادسة: التمييز
     يؤكد الدستور المصري على أن المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة.

     فعلى الصحفيين أن يتجنبوا نشر أي مواد صحفية تشير إلى ازدراء أو تحامل على الفرد على أساس العرق أو اللون أو الديانة أو الجنس أو التوجه الجنسي أو الإشارة إلى أي مرض عقلي أو إعاقة جسدية. أو السخرية من معتقد معين، أو الهجوم والتقليل من شأن أتباع دين أو معتقد معين. فالتفاصيل التي تتعلق بعرقية الفرد أو لونه أو ديانته أو توجهه الجنسي أو مرضه العقلي أو إعاقته الجسدية يجب تجنبها ما لم تكن ذات صلة وثيقة بالموضوع.

مثلا: لا يجوز الإشارات إلى أهالي النوبة بشيء من السخرية، أو تحقير من البهائيين أو الهجوم على الأمازيغ. نشرت جريدة (الشارع) المصرية منذ عدة سنوات تقريرا صحفيا تحت عنوان (جريمة البربر) على خلفية أحداث مباراة مصر والجزائر، احتوت على عدة مواضيع ورسومات كاريكاتيرية ساخرة من الأمازيغ . وهاجمت الصحيفة الشعب الأمازيغي (البربري) يصل إلى حد التحقير مثل "البرابرة يعلنون حرب الطوارئ خوفًا من احتلال الصعايدة لأراضيهم" رغم أن لدينا في مصر حوالي 20 ألف "أمازيغي" يعيشون بسيوه وهم مواطنون مصريون ليس لهم ذنب في أحداث مباراة مصر والجزائر.


 الخطيئة السابعة: الصحافة الموجهة
    هي الصحافة التي يهتم فيها الصحفي بجمع المعلومات بما يلائم قصده وهدفه فقط وانتقاءها وتقديمها للجمهور، ونشر أفكارًا بغرض تغيير المواقف والأفعال، ويبالغ في إظهار التفاصيل التي تؤيد فكرته وقد يُحرف المعلومات حتى تؤيد هدفه، ويحاول إقناع الآخرين بقناعاته ويلعب على وتر العواطف والأحكام المسبقة وقد يروِّج (لفكرة أو معتقد) بغرض مصلحته الشخصية أو مصلحة حزب سياسي أو جماعة دينية أو عرقية معينة...إلخ. وليس هناك أي حرج في أن يكون لكل صحفية سياسة تحريرية وفكرًا خاصًا تروج له، وإن كان "الحرية الحقيقة تحتمل إبداء كل رأى ونشر أي فكر وترويج اى مذهب" كما قال قاسم أمين.


الخطيئة الثامنة: التهوين والتهويل
     بينما تحرص بعض الصحف القومية الكبرى عل تهوين الأحداث أو المشاكل الكبرى في المجتمع مكتفية بثقافة النفي وإنكار المشكلات، على الجانب الآخر نرى بعض الصحف المستقلة والحزبية "تهول" من الأمر وتفرد عناوين مثيرة ومساحات شاسعة، فبين التجاهل والتضخيم تضيع "الحقيقة" ويفقد القارئ المصداقية المنشودة والحقيقة الغائبة ويضطر للبحث عنها في وسيلة إعلامية أخرى.
    لا يجب أن يقع الصحفي النزيه فريسة لتهويل مقصود سعيًا وراء ربحًا ماديًا من ارتفاع نسب توزيع جريدته على حساب مصداقيته، أو تأجيجًا لمشاعر طائفية، ولا يجب أيضا أن يقع فريسة لتهوين عن عمد، في تجاهل أحداث جسام تمر على الوطن ويقف منها موقف المتخاذل وكأنه يتضامن مع النعامة التي تدفن رأسها في الرمال معتقدة أن الصياد لا يراها. فبين التهويل والتهويل يفقد الصحفي وصحيفته مصداقيتهما أمام القارئ

.بعد أن هدأت عاصفة السجال الحادث بين جماهير الأهلى والزمالك، ولو راجعنا أنفسنا لوجدنا أن مواقع التواصل الاجتماعي والصحافة والإعلام كانوا سببًا مباشرًا في هذه المعركة الكروية والتي كادت أن تنتقل من الملعب إلى الشارع وتقضي على الأخضر واليابس.


الخطيئة التاسعة: تلقي الأموال والهدايا
    ليس من اللائق للصحفي الشريف أن يتقاضى أية أموال من المصدر سواء على سبيل الهدية أو الرشوة، أو حتى دفع مبالغ مالية للمصدر من أجل الحصول على المعلومات. يحتاج المحررون الذين يريدون الاستشهاد بالمصلحة العامة لتبرير دفع أموال أو عرض أموال إلى إثبات وجود سبب وجيه للاعتقاد بأن في ذلك خدمة للمصلحة العامة. وإذا لم يظهر سبب وجيه يخدم المصلحة العامة –على الرغم من المبالغ المدفوعة– يجب عدم نشر هذه المواد.
    
   ويجب على الصحفيين العاملين في الصحف الاقتصادية، عدم استخدام المعلومات المالية التي يحصلون عليها قبل موعد نشرها لتحقيق أرباح شخصية، ولا ينبغي لهم تمرير (تسريب) مثل هذه المعلومات لآخرين. كما يجب عليهم عدم بيع أو شراء الأسهم أو الأوراق المالية، التي كتبوا عنها مؤخرًا أو التي يعتزمون الكتابة عنها سواء مباشرة أو عن طريق وكلاء في المستقبل القريب. ومن هنا يجب على إدارة تحرير الصحيفة أن تراعي البعد الاجتماعي للصحفيين، بإعطاءهم ما يسد حاجتهم حتى لا يتعرضوا لإغراءات مالية تهدد مصداقيتهم

     منذ عدة سنوات، شنت إحدى الصحف الأسبوعية في عدة أعداد لها هجومًا على أحد الشخصيات العامة، فقام هذا الشخص بالاتصال بالصحفي محرر الموضوع واستضافه في "مزرعته" الخاصة، وقيل أنه أعطاه "ظرفًا" يحتوي على مبلغ من المال على سبيل الهدية، كانت نتيجته أن هذا المحرر الصحفي أن كتب موضوعًا يتملق فيه هذا الشخص ويصفه بـ"العلامة الكبير"!!.

 الخطيئة العاشرة: الانتحال (السرقة الأدبية(
     الانتحال هو سرقة كلمات وأعمال الآخرين والادعاء بأنها عمل خاص، فيجب على الصحفي الأمين الإشارة إلى مصادر المواد المستخدمة في التقارير الصحفية سواء كانت منشورة في صحف أخرى أو مواقع الانترنت أو من مصادر تلفزيونية...إلخ. ويجب الإشارة إلى المصدر في حالة اقتباس، فالاقتباس في حد ذاته يُعد من الممارسات الصحفية المقبولة.
    
غير أن المشاكل تبدأ في الظهور في المناطق الرمادية، تلك التي تقع بين الاقتباس المقبول لأفكار الآخرين وبين السرقة غير المقبولة لأعمالهم. كما يجب على الصحفي ألا يسعى إلى الحصول على أو نشر المواد التي تم الحصول عليها عن طريق الكاميرات الخفية أو أجهزة التصنت السرية أو تسجيل المكالمات التليفونية بدون إذن صاحبها، والتعرض للرسائل أو البريد الالكتروني، أو عن طريق نقل صور أو مستندات بدون تصريح

    أرسل أحد الحاصلين على لقب الدكتوراة مقالاً رائعًا عن "قبول الآخر" لأحد الصحف، ولأن العاملين في الجريدة يعرفون أن أسلوب كتابه المقال مرتفع عن صاحبه، قام أحدهم بالبحث على موقع "جوجل" على الانترنت واكتشفوا أن المقال منقول حرفيًا من أحد الأساتذة بإحدى جامعات كندا، وبعد الرجوع لمرسل المقال، أكد أنه صاحب المقال وأنه نشره في أحد الصحف الأسبوعية منذ عدة سنوات، وعندما طالبوه بأصل الصحيفة، قال سيبحث عنها ويرسلها، ومر أكثر من سنة ومازال يبحث عنها!!

خاتمة
   بعد أن استعرضنا الخطايا العشر للصحافة المصرية، نقول أن الصحفي الموضوعي هو: الذي يجمع المعلومات ويقدمها في تقرير صحفي للجمهور، وينشر المعلومات بغرض إعلام  وإخبار الجماهير، لا يهون ولا يهول في نشر الأخبار. يجري مقابلات ويعطي فرصة للناس ليكون صوتهم مسموعًا، يصنع من الكلمات صورًا دقيقة بقدر الإمكان، متوازن.. يُظهر جميع جوانب القضية، يهتم بالموضوع وليس الشخص، يدافع عن الحق ولا شيء غير الحق، يترك الجمهور يتخذ قراره بنفسه، شريف مهما كانت العواقب، يلتزم بالحقائق.



  نشرت هذه الدراسة للكاتب المهندس "عماد توماس" فى كتاب" الاعلام والمواطنة"، كما نشرت أيضا فى جريدة "القاهرة" الأسبوعية



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق