الأربعاء، 2 يناير 2019

مرقس بن القنبر الضرير... المصلح المنشق


سِيَر من التراث العربى المسيحى
12-    مرقس بن القنبر الضرير... المصلح المنشق
عماد توماس


عاش مرقس الضرير بن موهوب المعروف بابن القنبر فى القرن الثاني عشر، أثناء الخلافة الفاطمية فى أواخر ولاية "الحافظ لدين الله الفاطمى" (1130-1149م)  ورسمه أسقف دمياط كاهنًا. ويعتقد بعض المؤرخين أن مسقط رأسه من صعيد مصر وتم رسامته قسًا فى الوجه البحرى. فيما يرى البعض الآخر أن اصوله قد تكون سريانية  حيث ما زالت توجد عائلات بالشام والعراق باسم "القنبر" . ولا نعرف هل كان كفيفا لا يرى أم أن لقبه بـ "الضرير" بمعنى الغيرة وإن كان الأغلب أنه فقد بصره بعد رسامته قسًا .


كان مرقس ابن القنبر ضليعًا فى العلم والمعرفة  فضلًا عن معرفته اللغتين العربية والقبطية، وكان يُحسن اللغة اليونانية، فترجم منها بعض الكتب ونقلها إلى العربية وألَّف أيضًا بعض الكتب التى تختص بالإصلاح فأقبل عليه بعض الناس إلا أنه كان سئ التصرف عديم الثبات فسلط عليه الإكليروس بعض كبار القوم فاضطهدوه وشكوه للقاضى المسلم فكان تارة ينضم إلى جماعة الروم الأرثوذكس (الملكيين) وأخرى يعود إلى الأقباط وأخيرا طردوه من بينهم وفرزوه وكذلك الملكيين رفضوه ولم يقبلوه عندهم لعدم ثباته وبقى مدة حياته مطرودا .
قاوم عادة الختان التى كاتت جارية بين الأقباط بدعوى أنها من بقايا اليهود، ونادى بإطلاق الشعر وعدم حلاقته وهو ما ميز كل اتباعه وتشبه فى ذلك بعادات الملكانيين .

مرقس بن قنبر والوحدة المسيحية
 نشر الأب سمير خليل اليسوعى فى عام 1974م، نصا لمرقس بن قنبر عن سفينة نوح الواردة فى سفر التكوين بالعهد القديم. كان مرقس بن قنبر ينتمى لمدرسة تفسير الكتاب المقدس الرمزية، على طريقة أباء كنيسة الاسكندرية، وركز اهتمامه على الأسرار المقدسة ولا سيما الإعتراف والتناول، وحث الشعب على اتخاذ  معلم إعتراف، يقودهم فى طريق الله، ويهديهم صراطه المستقيم.
آثار مرقس بن قنبر، حركة داخل الكنيسة، أدت إلى منع الإعتراف من الكنيسة القبطية، أيام البطريرك الرابع والسبعين يوحنا السادس (1189-1216م).  وحرمه البطريرك. فانضم مرقس إلى الكنيسة الملكية، وكانت منتشرة أنذاك فى البلاد كلها. ثم تاب، وعاد الى الكنيسة القبطية.

وفى شرحه لسفينه نوح  يؤكد بن قنبر على أن سفينة نوح الحقيقية، هى كنيسة المسيح، ويرى الأب سمير خليل أن هذه الفكرة تقليدية، توجد عند جميع آباء الكنيسة. إنما مرقس يوضحها بطريقة شخصية جديدة.
يؤول بن القنبر الأعداد فى قصة سفينة نوح تأويلا رمزيا، ويطبقها على حقائق الكنيسة. فكما كان نوح عامود السفينة وسبب الخلاص، كذلك المجامع المسكونية السبعة أعمدة الكنيسة. وكما أن طبقات الكنيسة ثلاث: الأسقف والكاهن والشماس معتبرا ذلك إشارة إلى كهنوت المسيح. وكما أن إرتفاع السفينة ثلاثين ذراعا، كذلك سن الكاهن ثلاثين عاما. وتكرار عدد (ثلاثة) إشارة إلى الثالوث الأقدس.
وكما جمعت سفينة نوح جميع الحيوانات، الذى غذاؤه ليس موافقا لغذاء الإنسان، وكان يغتذى غذاء واحدا فى السفينة، فهكذا الكنيسة قد جمعت الأمم المختلفة الأجناس، والأشخاص المختلفة الأفعال فجمعت الأمير والمأمور، والمالك والمملوك، والعالم والعامى، والراهب والعلمانى وكلهم يتناولون فى الكنيسة قربانا واحدا لا تفضيل فى أحدهم عن الآخر.

قضية الإعتراف السرى
لم يكن الإعتراف للكاهن معروف حتى القرن الثانى عشر، وأول من نادى به هو مرقس بن القنبر. ويروى لنـا المـؤرخ أبو صالح الأرمنـى مـن القـرن الثـالث عشـر الميلادى  فى كتابـه " أخبار من نواحي مصر وأقطاعها" عن ابن القنبر ما يلى:
"... أوهم الشعب أن من لا يعترف لمعلم بخطاياه ويعمل قانوناً عن خطاياه لا يجوز له أن يتناول القربان وإن مات بغير إعتراف للكاهن مات بخطيئته... فعاد الشعب يعترفون له وتركوا الإعتراف على المجمرة... ثم تحقق ذلك للأباء الأساقفة في الوجه البحري وطالعوا به الأب البطريرك... وهذا الشقي مرقس سقط ودخل في جملة الهراطقة.. وصار محروماً" .
وقد قاوم الأنبا ميخائيل مرقس بن القنبر بضرواة مسألة الاعتراف للكاهن، فكان الأنبا ميخائيل يرفض الزام الإعتراف للكاهن، مؤكدا على أن الإعتراف أمام الله فقط ضرورى . ومن بعده البطريرك يوأنس الخامس ( 1138 إلي 1157م ) تدخّل بحزم ووقف ضد تعليم ابن القنبر ، وأتي من بعده البطريرك مرقس الثالث ( 1157 إلي 1179م ) ففعل نفس الأمر وقاوم تعليم ابن قنبر .
مؤلفاته
تعرضت كتابات مرقس بن القنبر للإدانه من قبل الكنيسة القبطية فى القرون الوُسطى، ومن ثم كان السعى حثيثا لطمسها من ذاكرة الكنيسة، ومن أجل هذا السبب – كما يرى الأب اثناسيوس المقارى فى كتابه القيم -فهرس كتابات آباء اكنيسة الاسكندرية ، الكتابات العربية - فإن اسمه لم يظهر فى المخطوطات. أما أعماله التى انتشرت فى كل مصر فكانت تحت غطاء عنوان هو : "لمؤلف مجهول" أو "من كتابات الآباء" .
1-      كتاب " المعلم والتلميذ"
يعتبر هذا الكتاب من أثمن وأحدث المكتشفات ، ورد ذكره فى مجموعة حديثة من قائمة فهارس المخطوطات، حيث سجل بولس سباط، له مخطوطان فى الفهرس.
2-      الطب الروحى
إعتقد فرانس كولن فى سنة 1971م، ان كتاب "الطب الروحى" لمرقس بن القنبر، يتحدث فيه عن نظام الإعتراف. وقد كان كولن يعتقد من قبل، آى فيما بين سنتى 1906-1908م أن هذا الكتاب هو بمقابلة  قانون لميخائيل أسقف اتريب ومليج .
3-      تفسير التوراة
يتبع هذا الكتاب طريقة التفسير الرمزى المجازى، حيث يندر استخدامه للمعنى الحرفى والتاريخى، مطبقا النصوص على المسيح والكنيسة والأسرار، رابطا معظم المواضيع بالحياة الرهبانية .
والقيمة الأدبية لهذا الكتاب – كما يرى اثناسيوس المقارى-  تظهر فى كون أن الذين رفضوا الإعتراف، تمسكوا بهذا الكتاب بعد أن حذفوا واختصروا منه بعض أجزاء التفسير التى تتتعارض مع أفكارهم، كما استخدموا المجاز لشرح بعض الأجزاء الأخرى لغرض تعليم أدبى .
4-      المسائل العشرة : أورد عاطف عوض، فى بحثه القيم بعنوان " مرقس بن قنبر فى الميزان، ماله وما عليه" عنوان كتابين لإبن القنبر، الأول بعنوان : "المسائل العشرة أو العشرة رؤوس والثانى :  مصنف به الكثير من العجائب والأخبار والطرافات.

وفاته
أغلب الظن أنه توفى أثناء إقامته فى دير القصير بطره المعروف بدير "البغل" وكان وقتها خربا خاليا من الرهبان، فأقام به مع التابعين له مدة عشرين سنة حتى مماته فى 17 فبراير 1208م.

على آى حال كانت شخصية مرقس ابن القنبر، مثيرة للجدل، ويستحق المزيد من الدراسات وتسليط الأضواء على سيرته ومسيرته.



نشر هذا المقال بجريدة الطريق - عدد يناير 2019

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق