الاثنين، 3 ديسمبر 2018

المؤتمن بن العسال


سِيَر من التراث العربى المسيحى
11-    الشيخ المؤتمن بن العسّال... العابد الناسك
عماد توماس

تناولنا فى المقالين السابقين، سيرة ومسيرة اثنين من أولاد العسال من زوجتة الأولى، الاسعد صاحب ترجمة الإنجيل من القبطية إلى العربية، والصفى صاحب كتاب المجموع الصفوى.
وفى هذا المقال نتناول سيرة ومسيرة أخيهم – غير الشقيق- الشيخ المؤتمن بن العسال



من هو الشيخ المؤتمن؟
هو المؤتمن ابو اسحاق ابراهيم، الأخ الطبيعى (من نفس الأب، ومن أم مختلفة) للصفى والأسعد، وأخ شقيق للأمجد، وهو الأصغر بين إخوته الكُتاب . هو واحد من أكبر مفكرى الكنيسة القبطية . لقبه الشيخ ابن الدهيرى مطران دمياط الذى كان معاصرا للمؤتمن فى كتابه أصول اللغة القبطية بالشيخ الرئيس الناسك والعابد والمؤتمن .

هو الوحيد بين اخوته الذى التزم الكهنوت والنُسك, فرُسم قسًا ثم قمصًا والتزم القلاية البطريركية لبعض الوقت بعد وفاة زوجته، حيث كان يعاون البابا كيرلس بن لقلق فى تحرير مراسلاته العديدة المدونة فى كتاب المكاتبات الخاصة . وبعد وفاة زوجته قام شقيقة الشيخ الصفى بتعزيته فيها بكتاب أرسله اليه حثه فيه على التزام عيشة النُسك والتوحد بعد فقد زوجته، فما كان من الشيخ المؤتمن إلا أن أسرع فى تلبية نداء أخيه الصفى فاعتزل العالم وتتلمذ على يد الأنبا بطرس الحبيس والراهب المصرى، ولا غرابة فى ذلك ففى هذا العصر (القرن الثالث عشر) كان إعتناق المشايخ لعيشة الرهبان بعد ترملهم من تقاليدهم المرعية، فكانوا ينذرون النُسك والوحدة ويعتزلون أعمال الدولة ويلقبون بالمشايخ المؤتمنين آى الرهبان الإيغومانسيين ويقصد بهذا اللقب أن حامله هو الرجل الكامل المؤتمن على البيعة وأسرارها ونفوس مؤمنيها، مثل الشيخ المؤتمن السنّى أبى المجد الراهب قسيس أبى سرجة، والشيخ المؤتمن شمس الرئاسة بن كبر قس الكنيسة المعلقة .

رحلات المؤتمن إلى دمشق
قام المؤتمن بن العسال بعدة رحلات إلى سوريا، وخاصة إلى دمشق، وأقام هناك بعض الوقت للخدمة الدينية ولجمع المراجع لمصنفاته.ولدينا أخبار حول رحلات المؤتمن إلى سوريا، يزودنا بها هو نفسه، وأخرى نستخلصها من رسائله وكتبه .
تسبب حريق فى سوريا على ضياع كتبه، وفقد المؤتمن بن العسال بذلك كل ثمار كفاحه الأدبى، وذلك إثر ثورة شعبية ضد المسيحيين، أما ما لدينا من مؤلفاته الثمينة، فلابد أن يكون قد جمعها فى الفترة التى تلت عودته إلى الوطن فى مصر، بعد سنة 1240م .

مؤلفات الشيخ المؤتمن بن العسال
كتب الشيخ المؤتمن بن العسال، العديد من المؤلفات فى اللغة والفلسفة واللاهوت والدفاعيات وشرح أسفار الكتاب المقدس والليتورجية، ولعلنا مديونين له بالحفاظ على اللغة القبطية كاحدى لغات العبادة فى الكنيسة الأرثوذكسية، فقد وضع المؤتمن واحد من أهم الكتب التى حافظت على اللغة القبطية وهو كتاب "السُّلَّم المُقَفَّى والذهب المُصفَّى في أصول اللغة القبطية“. وهو عبارة عن قاموس قبطي عربي، ويوجد منه نُسخ متعددة في مكتبة الدار البطريركية القبطية بالقاهرة، ومكتبات اكسفورد وباريس وبرلين، والمكتبة الشرقية لليسوعيين، ومكتبة مخطوطات دير أنبا مقار ودير الانبا انطونيوس.
أما كتابه "مجموع أصول الدين ومسموع محصول اليقين". فقد حظى بعناية ودراسة الأخ وديع الفرنسيسكانى فى دراسة قيمة نشرت له عام 1993م. والكتاب موسوعة لاهوتية فى خمسة أقسام وسبعين فصلا ، كتبه قبل عام 1260م، إذ أن المختصر الذى لخصه المؤتمن يؤرخ بهذه السنة .
يحتوى هذا الكتاب الموسوعى على عدة أقسام تتعلق بالفلسفة واللاهوت والتاريخ والعقيدة والقانون، والكتاب المقدس، وعلم الأخلاق. فتجد فيه توضيحا فلسفيًا لصحة المسيحية وعقيدة التوحيد والتثليث معتمدا على نصوص مختصرة للفيلسوف العربى المسيحى يحيى بن عدّى ويتعرض لقضايا عن إكرام  السيدة العذراء والصليب والأيقونات.وحديث عن التراتيل فى الكنيسة ثم الرسل والأنبياء والملائكة والشياطين كما يناقش مسألة القضاء والقدر، والغنى والفقر والتوبة والإعتراف الخ .

وإذا انتقلنا إلى كتاب  التَّبْصِرة المختصرة في العقائد النصرانية“. فهو ملخص لكتاب "مجموع أصول الدين" ويتحدث فيه عن العقيدتين الأساسيتين للمسيحية وهما الثالوث والتجسد وذلك ضمن قسمين وستة عشر بابا . أما كتاب "مقدمة لرسائل القديس بولس" نشرها دير مارمينا سنة 1990م. تحت عنوان "أبلغ الوسائل إلى علم الرسائل" لمؤتمن الدولة ابن العسال، تحقيق دير مارمينا فى 256 صفحة. واعتمدوا فى نشره على ثلاث مخطوطات، أقدمهم ترجع لسنة 1596م وهى عن نسخة أقدم يرجع تاريخها إلى سنة 1313م، آى أنها أقرب جدا لنسخة المؤلف نفسه .
ومن الكتب الطقسية للمؤتمن ثلاثة كتب هى : كتاب "خُطب الأعياد السيِّدية". وهي تحتوى على 48 عظة مُسجَّعة (أي تنتهي جملها بكلمات مُقفَّاة)، ومن أهم الخطب خطبة التحريض على الحج إلى القدس . وكتاب "ترياق العقول في علم الأصول والأسرار الخفية في علم المسيحية". وتوجد نسخة بمكتبة الدار البطريركية.  وكتاب "مقدمة البصخة المقدسة" نشره الأخ وديع الفرنسيسكانى . وهو وسيلة لمساعدة المؤمنين على فهم طقوس أسبوع البصخة والقراءات التى تتلى خلاله.وكتبت بطريقة التفسير الشعبى، بتفسير الأمور على ضوء نبوات العهد القديم وأقوال معلمى الكنيسة. وكتاب "آداب الكنيسة"، ونشره جرجس فيلوثاوس عوض سنة 1942. ويتكون من ستة فصول، يتحدث عن شروط المناولة اللائقة .
وهناك العديد من المؤلفات التى تُنسب إلى الشيخ المؤتمن، لا يتسع المقام هنا لشرح ملخصها لكن سنكتفى بذكرها مثل :
"تفسير الأمانة المقدسة“. توجد نسخة منه في مكتبة باريس. ”تفسير ما ورد في الإنجيل عن آلام سيدنا يسوع المسيح حتى صعوده. ومُقدِّمة عن أصول تفسير الكتاب المقدس“.كتاب ”إيضاح تفسير تدابير السيد المسيح من حين الحَبَل به إلى صعوده إلى السماء“. وقد طبعه في مصر القمص يوسف حبشي تحت اسم ”حياة يسوع المسيح“. و وأخيرا كتاب ”مجموع الأصول، شرح رسالة عيسى ابن يحيى الجرجاني في أقسام الدين“. وقد نُشر في مجلة المشرق.
وفاة المؤتمن
توفى المؤتمن بعد أخوية (الأسعد والصفى) فى الثلث الأخير من القرن الثالث عشر، بعد حياة حافلة ترك لنا فيها العديد من الإسهامات الأدبية .





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق