الاثنين، 17 فبراير 2020

ننشر مقدمة كتاب المَسِيْحِيُّون العَرَب سِيْرَةٌ وَمَسِيْرَةٌ لعماد توماس


مقدمة كتاب #المَسِيْحِيُّون_العَرَب_سِيْرَةٌ_وَمَسِيْرَةٌ
#عماد_توماس

لم يحظ التراث العربي المسيحي، حتى الآن بالاهتمام الذي يتناسب مع أهميته وسعته، ولم يجد المسيحيون العرب من يتحدث عنهم وعن سيرتهم ومسيرتهم التي أثرت فى العالم وكانت نبراسًا يُهتدى به نحو التنوير والاستنارة. ولم تشف الكتابات القليلة عن الإسهامات التى قام بها المسيحيون العرب غليل المتعطشين للمعرفة، فالمسيحيون العرب جزء أساسي من تاريخ الحضارة العربية، ومكون رئيسي في ذاكرة الأمة. فطوبى للأمة التي تقدر رجالها وعظماءها حق قدرهم فتخلد ذكراهم وتعترف بأفضالهم، فعظمة الأمم تتناسب وعدد ما تنجبهم من نوابغ الرجال وأهميتهم فى التأثير فى الحضارة الإنسانية.


من هنا جاءت فكرة هذ الكتاب المبسط، لنسلط الأضواء فيه على سيرة ومسيرة وإسهامات عدد من المسيحيين العرب، لنرى كيف ساهموا فى بناء الحضارة العربية بل والحضارة الإنسانية، وبذلك نكون قد ساهمنا ولو بجزء قليل فى تخليد ذكراهم وإسهامهم، حتى يدرك الأحفاد ما قام به الأجداد من إسهامات فى الحضارة الإنسانية.
وهذا الكتاب عبارة عن مجموعة من الدراسات نشرت في جريدة "الطريق" الشهرية خلال سنتين، ومجلة "العربية" التي تصدر من المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى بحوث قدمتها في عدة مؤتمرات لأصدقاء التراث العربي المسيحي، ومحاضرات قدمتها في عدد من كليات اللاهوت بمصر، يتضمن هذا الكتاب مزيد من الدراسات التى لم تنشر من قبل.
وحاولت قدر المستطاع فى هذا الكتاب، أن أعود إلى المصادر العتيقة والمراجع الحديثة والمخطوطات المتاحة على شبكة الإنترنت، وأستخلص منها ما يفيد القارئ غير المتخصص الذي كلما سمع عن التراث نفر منه لثقل فهمه، وفي الوقت ذاته يُشبع غليل الباحث المتخصص، لعله يجد فيه إضافه علمية إلى علمه.
يتناول هذا الكتاب 20 شخصية مسيحية عربية لهم إسهامات متعددة فى الحضارة العربية. يتعرض الكتاب للإطار المعرفي لكل شخصية من حيث التعريف بالشخص ونشاطه الفكري ومؤلفاته وإسهاماته العلمية التي تركها لنا. ونهدف من هذه الدراسات المبسطة تقديم صورة بانورامية تعريفية حول كل شخصية، لا نشتبك في قضايا جدلية بعمق لكن نطرح هذه القضايا لإثارة الفكر، ولعلنا نعود للاشتباك مع هذه القضايا في دراسات أخرى أكثر تخصصية.
يتناول الكتاب شخصيتين من المسيحيين العرب الملكانيين و(7) شخصيات من المسيحيين العرب النسطوريين و(11) شخصية من المسيحيين العرب اليعقوبيين.
فنبدأ جولتنا من الرها بالعراق بالملكانيين، بسيرة ومسيرة ثاودُورُس أبو قُـرَّة وهو أول لاهوتي يكتب باللغة العربية فى القرن التاسع، ثم نتحول إلى دمشق بسوريا لنتعرف على سيرة ومسيرة يَحْيَى الـدمشـقَـي...اللاهوتى الشرقى من القرن الثامن والذي أتقن ثلاثة لغات هي: العربية والسريانية واليونانية وكتب موسوعة لاهوتية شهيرة ووصل تأثيره إلى الغرب بعد الشرق.
ثم نذهب إلى النساطرة، فنبدأ بإيليّا النَّصيبينىّ الذي ولد في القرن العاشر، وصار مطراناً على أبريشية نَصيبين وكتب في الأدب والعلوم والتاريخ والفقه واللاهوت والحوار المسيحي- الإسلامي. وكان صاحب عقل متحرر ونقدى. ومن أبرز كتبه كتاب «المجالس» أو الحوارات التى تمت مع الوزير المسلم أبي قاسم المغربى، الذى كان مثقفاً منفتحاً ومهتماً بالحوار.
ونلتقى مع أبي الفرج بن العبريّ، المتصوف العارف بالله، الذي ظهر فى القرن الثالث عشر بأرمينيا الصغرى، وهو لاهوتي وفيلسوف وكاتب، وشغف منذ نعومة أظافره بمحبة العلم، وفهم الكتاب المقدس وتفاسيره. ومزج بين الفكر العربي الصوفي والفكر السرياني النسكي، ويبدو أنه تأثر بفكر العلامة الشهير أبي حامد الغزالي خاصة فى كتابه «إحياء علوم الدين»، لاسيما في موضوع تنظيم الحياة الأدبية والروحية للإنسان، وفلسفة التصوّف.
ثم نذهب إلى بغداد عاصمة الدولة العباسية فى أوج نهضتها الحضارية والعلمية، حيث ظهر أبو الفرج عبد الله ابن الطيب فى القرنين العاشر والحادى عشر الميلادى. وهو فيلسوف وكاهن مسيحى نسطورى ومن الأطباء المشهورين فى صناعة الطب. له العديد من كتب التفاسير لكتب أرسطو وأبقراط وجالينوس وشرحه لثمانى مسائل لحنين بن اسحاق ومقالة فى المحبة وشرح الإنجيل.
وننتقل قليلاً من بغداد إلى الحيرة لنقابل واحداً من أشهر المسيحيين العرب النساطرة، وهو شيخ المترجمين العرب، حُنين ابن إسحاق، الذى كان يجيد أربعة لغات هى: العربية والسريانية والفارسية واليونانية وله مدرسة خاصة فى الترجمة، ونناقش مسألة ترجمته العربية للإنجيل.
ولا يمكنا أن نترك العراق، دون أن نعرج إلى البصرة حيث ظهر عَمَّـار البَصرى، صاحب أول لاهوت نظامى بالعربية، فى القرن التاسع. ولا تسعفنا المعلومات القليلة عنه فى مزيد من التعريف بسيرته ومسيرته. فمعظم المعلومات المتوفرة عنه موجودة فى مخطوطة يتيمة محفوظة بمكتبة المتحف البريطانى ضمن المخطوطات العربية. ومن حُسن الطالع أنها تحتوى على كتابين هما: كتاب البرهان، وكتاب المسائل والأجوبة، والكتابان هما من جملة الآثار المسيحية التى سلمت من التلف على يد الأقباط.
ونذهب إلى نصيبين لنلتقى مترجم الأناجيل المُسَجَّعَة، عبدِ يَشوُع الصُّوباوى، وهذه الترجمة لم تنل حظها من الانتشار فى عالمنا العربى رغم روعة الترجمة. وكان الصوباوى شاعراً فذاً يجيد اختيار الألفاظ والكلمات والتلاعب بها، ولديه قابلية على توليد الكلمات الجديدة والصيغ غير المتداولة. وترك لنا تراثاً غزيراً من مؤلفات قيمة، فى اللاهوت والفلسفة، وتفسير الكتاب المقدس بعهديه، والليتورجية، والتاريخ والقانون، والمنطق والشعر. وكان يتقن السريانية والعربية واليونانية مثل سائر النساطرة فى ذلك الوقت.
وفى بعلبك بلبنان، نختتم مجموعة النساطرة، مع متعدد المواهب قُسطَا بن لوقا الذى كان فيلسوفاً منطقياً، ومهندسًا رياضيًا، وفلكيًا، وطبيبًا، ومترجمًا، وكيميائيًا وفيزيائيًا. وهو المسيحى العربى صاحب الدليل الصحى الأول للحج إلى مكة، الذى كتبه خصيصًا من أجل صديقه الأمير المسلم الحسن بن مخلد الذى اعتزم أداء فريضة الحج فى القرن التاسع. وهذا الكتاب نموذج فى التعايش المشترك بين أتباع المسيحية والإسلام.
وننتقل إلى المسيحيين العرب اليعاقبة، فى القرن الثالث عشر الذى يعتبره كثير من الباحثين والمؤرخين أنه العصر الذهبى للكتابات المسيحية باللغة العربية، فنبدأ بابن كاتب قيصر الذى وضع قواعد اللغة القبطيّةفى القرن الثالث عشر المعروفة بكتاب «التبصرة في أصول اللغة القبطية» وكان سببًا فى الحفاظ عليها حتى الآن. وهو سليل أسرة عريقة وغنية. وكان ملمًا باللغة العربية وفروعها، والعلوم الفلسفية والمنطقية واللاهوتية ومتبحرًا في اللغات اليونانية والقبطية والعبرانية.
ونذهب فى زيارة خاطفة إلى أشهر الأسر القبطية التى ظهرت فى القرن الثالث عشر فى أيام الدولة الأيوبية، وهى أسرة أولاد العسال الذين اشتهروا بالعلم والمعرفة ولهم مؤلفات جليلة. كتب أولاد العسال معظم كتبهم باللغة العربية، وهى التى انتشرت بين الأقباط وأصبحت لغة الدواوين من القرن الثامن. ووصفهم جرجس فيلوثاوس عوض، بأنهم «فخر المسيحية العربية».
ونتعرف على ثلاثة إخوة من هذه العائلة نبدأ أولا بالأسعد بن العسّالوهو أقل إخوته شهرة وإنتاجًا، إلا أنه ألّف أعمالًا مهمة أشهرها ترجمته للأناجيل الأربعة عن القبطية ومقابلتها على السريانية واليونانية. وكان ضليعًا فى نَحو اللغة القبطية فكتب «مقدمة فى قواعد اللغة القبطية»، تحتوى على شرح لأدوات التعريف والتنكير وجنس الأسماء والأسماء القبطية فى حالة الإضافة والأفعال، للحفاظ على اللغة القبطية التى قاربت على الاضمحلال فى القرن الثالث عشر.
أما الأخ الأصغر لأولاد العسال فهو المؤتمن بن العسّال، العابد الناسك، وهو الوحيد بين إخوته الذى التزم الكهنوت والنُسك, فرُسم قسًا ثم قمصًا والتزم القلاية البطريركية لبعض الوقت بعد وفاة زوجته. وأقام فى دمشق بعض الوقت للخدمة الدينية ولجمع المراجع لمصنفاته إلا أن حريق المكتبات فى دمشق أضاع مؤلفاته،وفقد المؤتمن بن العسال بذلك كل ثمار كفاحه الأدبى.
وأخيرًا الأخ الأكبر من هذه العائلة الصًّفى بن العسّال، مؤلف المجموع الصفوى.وكان للصفى مكانة كبيرة مثل إخوته ورد ذكرها فى مخطوط فاتيكان 61، وقام برحلات خارج مصر، فقابل الفرنج ولم يخف إعجابه بنجارة الخشب وصياغة الفضة والذهب عند الفرنج. وتتميز مؤلفات الصفى بالتنوع والكثرة، وقد حظى أكثرها بالنشر، وتنقسم مؤلفاته إلى : عقائد ودفاعيات، خطب ورسائل، قانون، مختصرات وكتابات مفقودة.
وفى نفس القرن الذى نشأ فيه أولاد العسال، ظهرالمكين جرجس بن العميد، مؤرخ «تاريخ المسلمين»،وعاصر أربعة من ملوك الدولة الأيوبية هم: الملك العادل والملك الكامل والملك العادل الثانى والملك الصالح نجم الدين وستة من ملوك عصر المماليك هم كالتالى: شجر الدر والأشرف موسى وعز الدين أيبك ونور الدين على وسيف الدين قطز وأخيرًا الظاهر بيبرس، واشتهر بالمعرفة والعلم وعبرت مؤلفاته عن تضلعه فى العلوم والمعارف ولاسيما التاريخية والجغرافية والفلكية والمنطق والبيان، فضلًا عن معرفته باللغتين القبطية واليونانية بجانب العربية.
وفى قرية سدمنت بالفيوم، وهى نفس المدينة التى نشأ فيها أولاد العسّال، نلتقى مع لاهوتى وراهب قبطى من البيئة الشرقية المصرية هو بطرس السدمنتى. له مؤلفات تصل إلى 13 مؤلفًا تميزت بالتنوع والعمق، منها  كتابات تفسيرية، عقائدية، دفاعية، أخلاقية، روحانية، سير قديسين. وله مدرسة فى تفسير الكتاب المقدس تعتمد على المعنى الحرفى، وليس الشرح المجازى.
ومن الفيوم نعرج قليلًا إلى محافظة بنى سويف، حيث نلتقى مع بولس البوشى، اللاهوتى العميق والمعلم الكبير، من قرية بوش بمحافظة بنى سويف، وهو من أهم الكتّاب الأقباط الذين ساهموا بكتاباتهم المختلفة في تكوين وإثراء التراث العربي المسيحي وكان مرشحاً للكرسي البطريركي بعد نياحة الأنبا يوأنس السادس البطريرك الـ74.
وفى عهده نشأت مشكلة السيمونية وظهرت محنة اختيار البطريرك، وله عدة مؤلفات جيدة في تفسير الكتاب المقدس والعقيدة والدفاع عن المسيحية وأصول الجدل، وفي أمور كنسية ورعوية.
ونعود إلى القرن العاشر، وتحديدًا فى مصر القديمة قبل تأسيس مدينة القاهرة على يد الفاطميين، حيث نشأ ساويرس بن المقفع، أول كاتب قبطى يؤلف بالعربية، وفى عهده لم تصبح اللغة العربية لغة المسيحيين فقط، عندما كانت ظروف حياتهم اليومية تتطلب ذلك، لكنها أصبحت لغة تستخدم فى العبادة داخل الكنائس.
ومن الشخصيات المثيرة للجدل، خاصة فى قضية الاعتراف السرى للكاهن، مرقس بن قنبر الضرير، المصلح المنشق، الذى رسمه أسقف دمياط كاهنًا أولًا والأغلب أنه فقد بصره بعد رسامته قسًا. وكان ضليعًا فى العلم والمعرفة  فضلًا عن معرفته اللغتين العربية والقبطية، وكان يُحسن اللغة اليونانية، فترجم منها بعض الكتب ونقلها إلى العربية وألَّف أيضًا بعض الكتب التى تختص بالإصلاح، فأقبل عليه بعض الناس إلا أنه كان سيئ التصرف عديم الثبات.
ونطير سريعًا إلى مدينة تكريت بالعراق، لنتعرف على يَحيَى بن عَـدِيّ، الفيلسوف المنطقي واللاهوتى المنسى، الذى دَخَلَ في مُجادلات مع المفكرين المسلمين حول عقيدة الثالوث، ومع المُفكرين النصارى حول النسطوريّة التي كان من أشد خصومها. وأكثر مُؤلَّفاتِه الفلسفيّة لم يصلنا إلا عناوينها، بينما نجا مُعظم مؤلفاتِه اللاهوتيّة، ومنها كتاب «التوحيد».
ونختتم هذا الكتاب بشخصية مجهولة نسبيًا، نشأ فى القرن الثالث عشر فى تركيا، هو أبو الحسن ابن المَحرُومَة..الصريح فى مواجهة الحقيقة، والذى كان ينتمى إلى الكنيسة السريانية. ومن أبرز مؤلفاته، حواشي ابن المحرومة ردًا على كتاب اليهودي ابن كمونة.  قدم ابن المحرومة فى كتابه تفنيدًا وهجومًا على اليهودية من خلال 87 حاشية، ودفاعًا عن المسيحية خلال 46 حاشية ولم يتطرق إلى الإسلام فى حواشيه.
ويضع ابن المحرومة ثلاثة مباحث أساسية فى حواشيه دفاعًا عن المسيحية: نقض السيد المسيح للشريعة المُوسوية، معجزات السيد المسيح وأصحابه، التثليث والتأنس.
ولا يسعنى فى نهاية مقدمة هذا الكتاب، إلا أن أشكر كلًا من الدكتور القس أندريه زكي، على تقديمه لهذا الكتاب، وأشكر الصديق العزيز المهندس ثروت صموئيل، على تصميمه للغلاف، وأشكر الصديق العزيز الأستاذ أحمد أمين على قيامه بالتدقيق اللغوي والإملائي، كما أشكر الصديق العزيز القس عيد صلاح على تشجيعه على إصدار هذا الكتاب. والشكر موصول للصديق العزيز الدكتور وجيه يوسف، الذى حمل مشعل التراث العربى المسيحى فى مصر وتحمل الكثير من أجل إنارة الطريق لمحبى هذا التراث الغنى.

عماد توماس


يتوفر الان كتاب #المسيحيون_العرب_سيرة_ومسيرة فى
دار مجلة مرقس - 28 ش شبرا - بجوار مكتبة المحبة
وجميع فروع دار الثقافة فى القاهرة
138 ش الترعة البولاقية شبرا,
18 ش كليوباترا, مصر الجديدة
51 ش الجمهورية,امام محطة بنزين الالفى وسط البلد,
5 ش عبد القادر حمزة,قصر الدوبارة جاردن سيتى
المنيا-  10 ش عدلى يكن- 086//2363275
أسيوط - 86 ش 26 يوليو بجوار مستشفى الايمان القديم - 088/2332464
الاسكندرية بولكلى ٤٨٧ شارع الحرية



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق