الجمعة، 7 يونيو 2019

قُسطَا بن لوقا ... صاحب الدليل الصحى الأول للحج إلى مكة (2-2)


سِيَر من التراث العربى المسيحى
17- قُسطَا بن لوقا ... صاحب الدليل الصحى الأول للحج إلى مكة  (2-2)
عماد توماس

استعرضنا فى العدد الماضى، نبذة سريعة عن سيرة ومسيرة قُسطَا بن لوقا، وعرضنا لمؤلفاته وإسهاماته العلمية التى تركها لنا. وفى هذا المقال نتعرض إلى كتابه الهام والأشهر "الرسالة فى تدبير سفر الحج" والذى كتبه لصديقه الأمير المسلم الحسن بن مخلد، قبل إعتزامه السفر إلى مكة لأداء فريضة الحج.


كتاب "الرسالة فى تدبير سفر الحج"
هذا الكتاب يعتبر نموذج فى التعايش المشترك بين أتباع المسيحية والإسلام، ونموذج فريد فى العلاقات المسيحية الإسلامية، التى تميز بها العصر العباسى واسهام واضح للمسيحيين العرب فى إزدهار الحضارة العربية الإسلامية. وقد وصف الأب سمير خليل اليسوعى، هذا الكتاب بأنه الدليل الصحى الأول، ولربما الوحيد، للحج إلى مكة، وفيه بليغ الدلالة على اتساع شهرته فى العالم الاسلامى .

ونشر ابن طاوس، علي بن موسى الحلي (589م) في كتابه (الأمان من أخطار الأسفار والأزمان) في الباب السادس عشر كتاب (تدبير الأبدان في السفر للسلامة من المرض والخطر) لقسطا بن لوقا صنفه لأبي محمد الحسن بن مخلد. وقال ابن طاوس: (ننقله بلفظ مصنفه وإضافته إليه أداء للأمانة وتوفير الشكر عليه).

وقصة الكتاب تعود إلى أن الحسن بن مخلد كان قد اعتزم أداء فريضة الحج. ورغب قسطا بن لوقا في مرافقة ابن مخلد، لكن ذلك لم يتم له، فآثر أن يكتب هذه الرسالة في تدبير سفر الحج، ويبعث بها إلى الأمير الذى  خدم في بلاط المتوكل (847- 861 م) ثم وزيره المعتمد (892 م) مرتين. وقد نشرت الرسالة مع ترجمتها وحواشيها في ليدن سنة 1992 .


أسباب الأمراض وطرق الوقاية منها
تتناول رسالة قسطا للحسن بن مخلد، التى تعتبر دليل صحى للحجاج فريد من نوعه،  أنواع الأمراض التى يمكن أن يتعرض لها المسافر للحج، مع توضيح أسبابها وطرق الوقاية منها. وتبدأ الرسالة بتمنى ودعاء قسطا لله أن يحل ببركته على الحسن بن مخلد ويرزقه السلامة ومحمود العاقبة ويجزل له الثواب، مؤكدا له أنه كان يتمنى أن يرافقه فى سفره للحج  للقيام بخدمته والسعى فى حوائجه لكنه لم يجد فى ذلك سبيلا - ولم يذكر السبب صراحة -  لذلك رأى قسطا أن يضع جميع ما يحتاج الحسن فى كتاب ينوب عن حضور قسطا فى وصف التدابير التى يحتاج إلى استعمالها فى سفره للحج ، شارحا ذلك فى أربعة معان يجب عليه أن يعلمها ويعمل بها:
المعنى الأول: العلم بالتدبير في وقت الراحة والطعام والشراب والنوم والباه، والثاني: العلم بأصناف الأعياء والشيء الذي يذهب بكل صنف منه، والثالث: العلم بالعلل التي تعرض من هبوب الرياح المختلفة وعلاجها، والرابع العلم بالتحرز من الهوام وعلاج آفاتها إذا وقعت  .


تقسيم الكتاب
قسم قسطا بن لوقا كتابه إلى أربعة عشر بابا : تناول في الباب الأول:  طبيعة السير والأوقات التي يطيب فيها، وحالة الجسم والطريقة التي يتبعها كي (يمنع البدن من الاهتزاز في أوقات الحركة الدائمة)، والأوقات الصالحة لتناول الطعام والشراب، والمبادرة إلى الراحة والنوم ساعات النزول.

وفي الباب الثاني: عرف الإعياء، وذكر أنواعه - كما أوردها جالينوس- (المثقل، والمدد، والمسخن، والمؤلم)، وشرح أسبابها، ثم تناول علاجها بالتغميز، وطريقته وأوقاته. وفي الباب الثالث: عد أصناف الغمز ودلك القدم (الرقيق، والشديد، والضغط والكبس على الأعضاء)، وذكر في أي الأحوال يحتاج إلى كل صنف من أصناف الغمز، وفي أيها يحتاج إلى ذلك القدم في الأسفار.

أما الباب الرابع : فقد تناول فيه العلل التي تتولد من هبوب الرياح المختلفة المفرطة البرد أو الحر أو الغبار الكثير، وكيف ينبغي أن يحتال لإصلاحها. وكان الباب الخامس : في وجع الإذن الذي يعرض كثيرا من هبوب الرياح المختلفة، وكيف ينبغي أن يحتال لإصلاحها.

والباب السادس : في الزكام والنوازل والسُعال، وما شابه ذلك من الأشياء التي تعرض من إختلاف الأجواء، وذكر كيفية التوقي منها وعلاجها.  وأما الباب السابع : فكان في علل العين التي تحدث عن اختلاف الهواء والغبار والهواء والرياح وغير ذلك، وذكر علاجها.

وقد كان الباب الثامن: في امتحان المياه المختلفة (مياه الينابيع، الأمطار، مياه الثلج الذائب، والمياه الراكدة)، ليعلم أيها أصلح بدليل بقراط: أن يبرد سريعا، ودليل خفة الوزن، فضلا عن الدلائل المحمودة: طيب الرائحة وعذوبة الطعم وصفاء اللون. وعرف أجود المياه: ما كان لا طعم له ولا رائحة ولا لون.

وفي الباب التاسع : تناول كيفية إصلاح المياه الفاسدة، وهي: أن يغلى على النار، وأن يمزج مع ما يغير طعمه، وأن يصفى مرارا بالأسوقة. وذكر تفاصيلها. وكان الباب العاشر : في العطش، فقد عرفه: بأنه جفاف الفم، أو فناء الرطوبة، وأسبابه عدم المياه أو قلته، او علة حادثة، أو شرب نبيذ، أو أكل مالح. وذكر طريقة معالجتها، وأورد منافع شرب الماء.

وأما الباب الحادي عشر : فكان في جملة الهوام والتحرز منها بواسطة (رش الأرض بالسوائل، والتبخير، أو إيقاد نار)، وتوقي السكنى في أمكنة تكاثرها، وحفظ الأواني بعيدا عنها.  والباب الثاني عشر: كان في علاج عام من لسع الهوام، بواسطة مص الموضع بالفم او بالحجم حتى خروج دم صالح، ثم يضمد بالأدوية، ويسقى الملسوع أنواعا من الشراب ذكرها.

وأما الباب الثالث عشر: ففي تولد العرق المديني، وبماذا يتحرز من تولده، وذكر سبب تسميته, لأنه يتولد كثيرا في المدينة. وأرجع أسباب تولده إلى: الأجواء، وأنواع الغذاء كالتمور، وقلة غسل الجسم.

وآخرها الباب الرابع عشر : وفيه وصف العلاج من العرق المديني.  وعرج على تاريخ المرض ومعرفة الأطباء له،  فقال: (لم يذكره جالينوس وبقراط )،  بل ذكره سورانورس ولابندوس، وهما إمامان من أئمة الأطباء وذكر طريقة علاجهما لهذا المرض.

وفاة قُسطَا بن لوقا
إختلف المؤرخون فى تعيين مكان موته إلا أن الآكثرين منهم يذهبون إلى أن أميرا أرمنيا استقدمه إلى أرمينيا حيث قضى آخر أيامه . ومات هناك وبنى على قبره قبة إكراما له كإكرام الملوك أو رؤساء الشرائع .

جريدة الطريق - عدد يونية 2019


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق